القطيف.. أغنى مدن العرب
صحيفة اليوم - « عبدالله بن سعد العثمان - محافظ القطيف » - 6 / 1 / 2007م - 9:31 ص
حكاية عمرها 5 قرون احتلها الاسكندر المقدوني وفتحها الملك عبدالعزيز سلما
القطيف بفتح أوله، وكسر ثانيه، على وزن فعيل، من القطف، وهو القطع من العنب ونحوه.. إنها مدينة بالبحرين هي اليوم قصبتها وأعظم مدنها وقد زارها ابن بطوطة وذكر انها مدينة ذات نخل كثير. ولعل اسمها في الأصل محرف عن «كيتوس» الاسم القديم الذي ذكره مؤرخو اليونان لهذه المنطقة.
كانت قبل قرون مضت واحة صغيرة نسيها الزمن في الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية حتى سكنها البشر قبل اكثر من اربعة الاف عام قبل الميلاد ومنذ ذلك التاريخ شهدت القطيف عدة حضارات، وتقلبت تحت سيطرة الكثير من الحكام، وقهر سكانها العديد من الغزاة حتى فتحها سلما الملك عبدالعزيز ال سعود عام 1331هـ بعد سقوط الاتراك وطردهم عام 1332 هـ/ 1914م. ومع توحيد البلاد دخلت القطيف محطة تاريخية جديدة تغيرت فيها ملامح وجه تلك القرية الصغيرة وتحولت مبكرا ومع اكتشاف النفط الى مدينة كبيرة. لابد ان وراء كل ذلك جهدا جبارا لبلوغ هذه النتيجة.
القطيف عام 1934
تاريخ القطيف قيمته التاريخية كبيرة، فقد سكنت منذ الاف السنين، وعرفت الكثير من الهجرات التاريخية من والى المنطقة بسبب موقعها الاستراتيجي الهام، وهاجر منها الكلدانيون والآشوريون والبابليون والحثيون والفينيقيون. والاثار الموجودة في المنطقة تدل على أنها كانت مسكونة منذ العصر الحجري، اي منذ حوالي سنة 3000 ق.م. خضعت المنطقة لحكم الكثير من الممالك في العصرين القديم والجاهلي.
وشهدت ازدهارا بعد ان حطم الاسكندر المقدوني الدولة الفارسية وأمر بتجهيز اسطول لاحتلال المنطقة، لكن وفاته واختلاف خلفائه بدد هذا المشروع. وفي هذه الفترة تمتعت المنطقة باستقلالها وازدهرت تجارتها وصارت مدينة «الجرهاء» -التي كانت في موقع القطيف كما يرجح الكثير من المصادر التاريخية أو ربما الاحساء - من أغنى مدن الارض ووصفها اليوناني بانهم اغنى مدن العرب وأن اهلها يزينون جدران بيوتهم وسقوف منازلهم وأبواب غرفهم بالذهب والفضة والاحجار الثمينة.
استمر ازدهار المنطقة حتى سيطر الرومان على جنوب الجزيرة العربية وحولوا التجارة العالمية عن الخليج ففقدت المنطقة اهميتها التجارية وازدهارها. وفيما بين «264 - 266 ق.م» قدمت الى المنطقة قبائل عربية اخرى وتوحدت مع قبائل عبدالقيس، وفرضت سيطرتها على كامل المنطقة. وظلت القطيف تحت تأثير المعسكر الفارسي حتى قام أحد ملوك وسط الجزيرة العربية وهو الشاعر المعروف «امرؤ القيس» باحتلال أجزاء من المنطقة وفي العام «300م» زحفت قوات يمنية عليها وهاجمت الفرس، وقد ادت هذه الاعمال الى اضعاف هيبة الدولة الساسانية مما ادى الى قيام سكان المنطقة بغزو الفرس في عقر دارهم واستولوا على بعض سواحل ايران. اما في العام «370م» فقد قام سابور الثاني الفارسي بشن حملة انتقامية فتك فيها بالعرب على الساحل الايراني وعبر الخليج الى مدينة القطيف «الخط آنذاك»، وقام بمذابح هائلة فيها وفي هجر الاحساء، ثم توغل في جزيرة العرب فقتل من تمكن منه من العرب ومثل بهم بقطع أكتافهم، كما قام بتهجير القبائل وفرض عليها الاقامة الجبرية. واستمر خضوع المنطقة للفرس حتى دخولها الاسلام.
الفتح الاسلامي
وفي السنة السادسة للهجرة أرسل النبي (ص) العلاء بن الحضرمي بكتاب الى والي القطيف والبحرين من قبل الفرس وهو المنذر بن سادي بن الاخنس العبدي يعرض عليه الاسلام ويشرحه ويدعو اهل المنطقة الى الاسلام. اقتنع المنذر بالاسلام ودخل فيه ودعا قومه اليه، فأسلم اغلبهم، وبقي بعضهم على ديانته اليهودية او المجوسية أو النصرانية فلم يجبرهم على تركها. واصبح المنذر واليا من قبل الرسول (ص) على البحرين.
وفي السنة السابعة للهجرة زار وفد بني عبدالقيس «أهل البحرين والقطيف» النبي (ص)، وقد قال الرسول (ص) فيهم: «ليأتين ركب من قبل أهل المشرق لم يكرهوا على الاسلام» وأوصى الانصار بهم خيرا قائلا: «يامعشر الانصار أكرموا أخوانكم فإنهم اشبه الناس بكم في الاسلام، اسلموا طائعين غير مكرهين ولا موتورين». وفي السنة التاسعة للهجرة توفي المنذر وتولى العلاء بن الحضرمي الولاية. وفي السنة العاشرة للهجرة قدم وفد منهم على النبي صلي الله عليه وسلم لزيارته بقيادة الجارود.
العلاء يحرر القطيف
وبعد وفاة الرسول (ص) ثبتوا على الاسلام ولم يرتدوا، ولكن ظهرت نزعة للانفصال عن الدولة المركزية في المدينة فتمردت قبائل ربيعة وتوجت المنذر بن النعمان بن المنذر ملكا وزحفت على القطيف وهجر واحتلتهما حتى وصل العلاء بامدادات من المدينة فحرر القطيف وهجر ومعظم بلاد البحرين ما عدا حصن الزارة.
نبذة جغرافية
تعتبر مدينة القطيف وما جاورها اليوم من المدن الصغيرة والقرى، جزءاً حيوياً من المنطقة الشرقية، حيث تتربع واحة القطيف المشهورة على جانب من الضفة الغربية للخليج العربي، شمال غرب مدينة الدمام، مناخ واحة القطيف مناخ قاري إذ تصل الحرارة في الصيف إلى نحو 44 درجة مئوية، ونسبة الرطوبة إلى حوالي 90 بالمائة. أما في الشتاء فتتراوح الحرارة بين 18 و 25 درجة مئوية، وتهب على المنطقة خلال شهري مايو ويونية تقريباً، رياح موسمية حارة يطلق عليها أهل المنطقة اسم «البوارح». أما الرياح الجنوبية التي تهب على المنطقة فتسمى «الكوس» وهي رياح دافئة تحمل نسبة كبيرة من الرطوبة. أما نسبة سقوط الأمطار عليها فقليلة.
تحتل واحة القطيف مساحة تقدر بما يزيد على 160 كيلو متراً مربعاً تقريباً ويبلغ عدد سكانها حوالي 89000 نسمة موزعين على عدد من القرى تزيد على عشرين قرية. أما منطقة القطيف ككل فقد نمت واتسعت وأصبحت تضم عدداً من المدن، والقرى الكبيرة، يبلغ عدد سكانها مجتمعة نحو 250000 نسمة، ومن أهم هذه المدن والقرى: سيهات، عنك، القديح، صفوى، العوامية، الملاحة، الجش، حلة محيش، أم الحمام، الجارودية، التوبي، أم الساهك، أبو معن، الأوجام، بالإضافة إلى جزيرة تاروت، التي تشمل تاروت، ودارين والربيعية، وسنابس، والزور وغيرها.
المجتمع القطيفي
يضم المجتمع القطيفي أربع فئات هي: الصيادون، والفلاحون، والتجار، وموظفو الحكومة والشركات والمؤسسات. فالفئة الأولى تعتبر الممون الرئيس لأسواق المنطقة الشرقية بالسمك، حيث يتم بيع وشراء كميات كبيرة من الأسماك بالمزاد العلني كل يوم في سوق القطيف، ومنه يتوزع إلى أسواق مدن المملكة، وفي الآونة الأخيرة اشتهرت مدينة سيهات بسوق السمك، حيث يتوجه كثير من المواطنين والمقيمين عصر كل يوم، لجلب مختلف أنواع الأسماك الطازجة، التي يصطادها الصيادون المحليون.
أما الفئة الثانية، فتنخرط في أعمال الزراعة، التي كانت لفترة ماضية قريبة، المصدر الرئيسي لتزويد أسواق الدمام والخبر والظهران بالخضراوات والمنتجات الزراعية الأخرى. غير أن تزايد تعداد السكان في المنطقة جعل المصدر المحلي غير قادر على تلبية احتياجات سكانها من الخضراوات والفواكه. لكن هناك مؤشرات تنبئ بعودة نشاط القطاع الزراعي في القطيف إلى سابق عهده وذلك بفضل اهتمام أهل المنطقة بالزراعة، وبفضل المساعدات التي تقدمها الدولة لتشجيع هذا القطاع وتنميته ورفع مستواه.
والفئة الثالثة، وهي فئة التجار، فتسهم بدور كبير في تنمية الاقتصاد الوطني عن طريق استيراد وتصدير مختلف أنواع السلع والبضائع. وأما الفئة الرابعة، وهي تمثل الموظفين العاملين لدى الدوائر والمؤسسات الحكومية والشركات الوطنية، فينخرط منسوبوها في السلك الوظيفي الحكومي والمحلي، وقد التحق الكثيرون منهم بشركة ارامكو.
القطاع الزراعي
واحة القطيف منذ القدم تعتبر أرضاً طيبة معطاء ومياهها وافرة، فقام الفلاح القطيفي بحرث الأرض واستصلاحها وزرعها واستغلال خيراتها الممثلة في ثمار النخيل، والحمضيات والفواكه والخضراوات. وكان لاكتشاف البترول في المنطقة الشرقية من المملكة، دور كبير في صرف معظم الفلاحين عن مزاولة الزراعة، فاتجهوا إلى الانخراط في أعمال الزيت مما أدى إلى كساد الزراعة وإهمالها.
وإدراكاً من الدولة لأهمية القطاع الزراعي في توفير الأمن الغذائي للسكان، قدمت الدعم السخي ووفرت الحوافز التشجيعية لهذا القطاع الهام إلى جانب تقديم الإعانات والقروض للمزارعين حتى يقوم بدوره في هذا المجال الحيوي.
الأماكن الأثرية والشعبية بمنطقة القطيف
منطقة القطيف غنية بالمواقع الأثرية التي تعكس أهمية هذا الجزء الشرقي من الجزيرة العربية في عصور سالفة متعددة. وسنستعرض هنا أهم الأماكن الأثرية والشعبية فيها:
جزيرة تاروت
قلعة تاروت الأثرية
كانت هذه الجزيرة فيما مضى موطناً للفينيقيين والبرتغاليين. كان يفصل بينها وبين مدينة القطيف مخاضة يقطعها السكان بأرجلهم عند أدنى مستوى للجزر. وبالقوارب الصغيرة عند أعلى مستوى للمد.
أما اليوم فقد أصبحت شبه جزيرة يحيط بها الماء من ثلاث جهات: الشمالية والشرقية والجنوبية. أما الجهة الغربية فقد اتصلت بمدينة القطيف عبر شارع فسيح معبد ذي اتجاهين وعلى جانبي الطريق «مكان المخاضة سابقاً» أقيمت أحياء سكنية جديدة. وتقدر مساحة الجزيرة حالياً بنحو 25 كيلو متراً مربعاً. تشتمل على خمس مدن وقرى هي: تاروت «المدينة الرئيسة». الربيعية، سنابس، الزور، ودارين، التي كانت فيما مضى ميناءً تجارياً مشهوراً، وأهم ما يميز جزيرة تاروت حالياً، قلعتها التي تحتل موقعا أثرياً هاماً يعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد. وقد قامت إدارة المتاحف والآثار بالمنطقة بمسح جميع الأماكن الأثرية فيها، وهي بصدد إعداد دراسة شاملة عن الجزيرة.
قلعة القطيف
تشير الدلائل التاريخية إلى أن سواحل المنطقة الشرقية بما فيها القطيف. كانت فيما مضى محاطة بسور لحمايتها من الغزاة. وقد بدأت القطيف كموطن استيطاني صغير على شاطئ الخليج العربي، ومع مرور الأيام سورت حاضرتها «القلعة» بسور يبلغ سمكه نحو مترين، وارتفاعه نحو 9 أمتار، وله أبراج شاهقة مستديرة الشكل يبلغ عددها أحد عشر برجاً وقد شكل ذلك السور أول حي من أحياء القطيف أطلق عليه اسم «القلعة» وتدل الكتابات التي كانت محفورة على أجزاء من أحجاره على أنه «بني في عهد السلطان سليم الثاني العثماني في القرن العاشر الهجري..
بينما يبدو انه أسس قبل هذا التاريخ بزمن بعيد». وكان للقلعة أربعة أبواب تفتح في النهار وتغلق في الليل، وهي: باب الشرق ويسمى دروازة البحر، وباب الغرب ويسمى دروازة باب الشمال، وباب الجنوب ويسمى دروازة السوق، وباب الشمال ويصلها بالكوت وهو حصن صغير: والقلعة بشكلها البيضاوي تنقسم إلى أكثر من «فريج»، أي فريق، ويجمع على «فرجان»، أي فروق، وأهمها أربعة هي فريق الخان وهو في الجهة الغربية فريق السدرة وهو في الجهة الجنوبية الشرقية فريق الزريب وهو في الجهة الشمالية الغربية فريق الوارش وهو في الجهة الشمالية الشرقية.
سوق الخميس
يتردد الكثير من المواطنين والمقيمين في واحة القطيف ومدن الدمام والظهران والخبر وما حولها على سوق الخميس بالقطيف الذي اتخذ اسمه من اليوم الذي يقام فيه. وهو من الأسواق القديمة حيث يجتمع عدد كبير من الباعة، من داخل الواحة وخارجها، لعرض أصناف متعددة من البضائع والسلع المصنعة محلياً منها والمستوردة.
عيون الواحة
اشتهرت واحة القطيف بعيونها الطبيعية. ومن العيون ما قل ماؤها حالياً، ومنها ما زال جارياً بشكل طبيعي، ومنها ما أهمل حتى كاد يتوقف جريان الماء فيها.
ومن أهم العيون التي تحتضنها الواحة: حمام أبو لوزة، عين الربيانة، عين المصونة، عين المنصوري، عين أم السباع، عين المليح، عين ميالة، عين داروش، عين أم عمار، وغيرها. تلك هي واحة القطيف التي مازالت تمد أهلها وما حولها بالخير والعطاء الكثير، وستبقى واحة غنية بتراثها ورجالها كما وصفهم الشاعر العربي:
فقد كان في أهل القطيف فوارس حماة إذا ما الحـرب شـدت بيذبـل
تحياتي لكم